ذكرى اغتيال الحمدي تبعث حنين اليمنيين للدولة الحديثةالمصدر أونلاين - خالد عبدالهادي غمر محمد مهيوب شعور بالرضا يوم الاثنين وهو يقف على ضريح صديقه الحميم إبراهيم الحمدي، مجدداً له عهداً بالوفاء في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين.
استيقظ مهيوب الرجل الستيني ذو الشعر الأشيب باكراُ في منطقة ثلا بريف عمران، وعند العاشرة صباحاً كان قد وصل صنعاء لينضم إلى بضعة ناشطين وثلة من أقارب الرئيس السابق، نظموا زيارة جماعية إلى ضريح الرئيس السابق الثاوي في مقبرة الشهداء كامتياز وحيد منحه له خصومه بعد قتله.
ولئن قدم مهيوب من منطقة تبعد عشرات الكيلو مترات عن هدفه، فكثيرون غيره يفضلون أن يرسلوا ابتهالاتهم وحنينهم إلى روح الحمدي من مناطقهم المتناثرة على مجمل خارطة البلاد.. وكل تلك أنماط ولاء للرئيس الراحل تؤكد على تنوعها حضوراً لا يمحوه تقادم الزمن.
الراجح أن سيرة العسكري البسيط الذي أوحى لليمنيين حلماً ساحراً بوطن مختلف؛ تخطى بإعجاب متزايد من الأجيال اللاحقة التي تصارع قساوة العيش وفساد الحكم في واحد من أكثر بلدان المنطقة فقراً.
صعد المقدم إبراهيم محمد الحمدي المتحدر من عائلة اشتغلت بالقضاء إلى حكم شمال البلاد في انقلاب أبيض يوم 13 يونيو 1974، بعد سنين من الفساد والفوضى السياسية والأمنية التي غلبت على فترة حكم سلفه الرئيس الفقيه عبدالرحمن الإرياني.
وأطلق الحمدي على انقلابه حركة تصحيحية عكست بالفعل جهداً جباراً لترجمة طموحه في إقامة دولة حديثة يحكمها القانون، وهو ما ميز عهد حكمه الذي لم يدم سوى ثلاث سنين حتى 11 أكتوبر 1977، حين اغتيل مع أخيه عبدالله في مؤامرة حطمت تطلعات ملايين السكان الذين لمسوا في حركة يونيو التصحيحية تطبيقاً حقيقياً لأهداف ثورة سبتمبر، وحداً فاصلاً لمعاناة الإنسان اليمني في العصر الحديث.
فضلاً عن شخصية الحمدي الأخّاذة وطلعته المهيبة، الشبيهة بملامح ثوار أميركا اللاتينية في القرن الماضي، فقد امتلك سليقة منطلقة في الخطابة السياسية مكنته من حشد غالبية فئات الشعب حول مشروعه. كما لامس بتوجهاته وخطاباته المرتجلة آمال الفئات الفقيرة والمهاجرين في الخارج ووجدان المثقفين.
وبموازاة الخطب السياسية التي ألقاها الحمدي في معسكرات الجيش والجمعيات التعاونية وعواصم المحافظات، قامت على الواقع بنى حقيقية، شكلت الوجه الأول للدولة اليمنية الحديثة. وما زال كثير من تلك البنى أساساً لعدد كبير من المرافق الحكومية.
لكن في مقابل الرضا الشعبي عن حركة الحمدي ذات الطابع الثوري، أضمر شيوخ القبائل النافذون العداء للحركة التي أطاحت بامتيازات ضخمة كانوا يتقاسمونها بينهم خلال حكم الإرياني، وصلت إلى حد الاستقلال بإدارة بعض المحافظات وقبض عائداتها المالية لصالحهم.
ونجح تحالف ضم هؤلاء الشيوخ الناقمين وعسكريين، إلى جانب مؤامرة يعتقد على نطاق واسع أن مصدرها المملكة العربية السعودية، في تصفية إبراهيم الحمدي يوم 11 أكتوبر 1977، وتطلبت محاولة القتلة حرف مسار المؤامرة خطة وضيعة من خلال جلب مومستين فرنسيتين وقتلهما في موقع الاغتيال، حتى يبدو للرأي العام حادثة أخلاقية.
مثّل إنهاء مشروع الحمدي وإزاحة صاحبه بطريقة وحشية غادرة صدمة موجعة للمشاعر الوطنية وآفاق البسطاء التي أشرقت يوم طلعت شمس الثالث عشر من يونيو.
لكن الذاكرة الشعبية تدّخر صورة نقية عن الراحل الذي نشر إلهاماً كالسحر ومضى.
سيخبرك مهاجر يمني في السعودية أنه اختلف مع رب عمله، فأبلغه غير آبه أنه سيعود إلى بلده ويترك للحمدي استخلاص أجره، فيسدد الأخير ما عليه خشية أزمة بين البلدين لأن أحد مواطني الحمدي تعرض للعسف.
وفي ميدان الشهداء بمدينة تعز تتقدم امرأة مسنة لتتشبث بكتف الرئيس الغارق وسط كتل بشرية طالبة إليه مساعدتها في نيل ميراثها الذي يرفض إخوانها منحها، فيأمر على الفور بحقها فلا يتأخر إلا بقدر ما تنظر في المحكمة.
وتحت أجواء ليلة شتوية شديدة البرودة، يتنكر الرئيس ويقود سيارته ماراً بعدد من النقاط الأمنية يعرض على أفرادها رشى، ليمتحن نزاهتهم فلا أحد يقبل خوفاً من أن يصل إثمه إلى الحمدي فينزل به عقاباً رادعاً.
خاص بالمصدر أونلاين