إبراهيم الشرقي المدير العام مؤسس الموقع
رقم العضويه : 1 عدد المساهمات : 2060 نقاط : 57520 تاريخ التسجيل : 11/02/2010 بلد الإقامه : جنسيتي : جنسي : مزاجي : هوايتي : مهنتي : حكمة : إبتسم ,, فالوجوه البائسه لا تصلح الا للشحاته MMS :
| موضوع: عندما عادت المغنية... ولم تجد الزمن الأحد أبريل 18, 2010 7:09 am | |
| عندما عادت المغنية... ولم تجد الزمن علوان مهدي الجيلاني كانت أمهن راقصة بارعة الأداء بالغة الجمال تجوب القرى والمناطق بين حواز تهامة وجبالها، وحدث أن شاهدها أبوهن إبان شبابه في ريمة فجن بها وترك أهله وتبعها فتزوجها.. واستوطنا قرية دوغان.. إحدى مواطن الهوى في تهامة.. وهناك أنجبت منه البنات والأبناء. وبخلاف (جمعة) التي تزوجت الدوشان الشهير ناجي وهو من أبناء عمومتها (مات سنة 2000م تقريباً) فإن بنات امريمي قد ذهبنَ مع بداية السبعينيات من القرن العشرين إلى السعودية وتزوجن هناك، ثم توزعنَ في دول الخليج (جمعة) في قطر، و(سلام) في أبو ظبي)، و (امناصف) في الدمام مع أخيها محمد، أما (امعيدة) التي كانت أجملهن وأحلاهن رقصاً فقد عادت إلى البلاد مرتين: الأولى سنة 1986م تقريباً، وجاءت بفرقتها تجوب القرى وكأنها تستعيد زمانها الماضي... ثم عادت وسافرت إلى السعودية لتأتي المرة الثانية إلى البلاد مع أزمة الخليج عام 1990م...... شاهدتها سنة 1992م في بيتنا بالجيلانية وهي تضرب على دف وتغني، ومن أسف أنني لم أكن آنذاك قد وعيت مقدار أهمية توثيق تراثنا الشعبي الذي يضيع ويتسرب من بين أيدينا كل يوم. اكتفيت –فقط- بمشاهدتها مشغولاً بمقارنة صورتها الحاضرة بصورتها التي بناها خيالي بناء على حديث الناس عن زمانها الأول الذي انتهى قبل أن يتفتح وعيي. كانت (امعيدة) امرأة خضراء قد تجاوزت الخمسين ومع ذلك ما تزال آثار جمالها السابق تتلو شواهدها في تقاطيع وجهها المتناسق، وحركة جسدها الرشيق إلى حد كبير نسبة إلى عمرها، ومعاناتها نتيجة التشرد بعد الأزمة. لا يمكن لحاضر تلك اللحظات أن ينسى الحسرات وهي تملأ عيون كل من عرفوها زمان، خاصة وأنها قد نكبت بين من نكبوا وفقدت حياة الرفاه التي كانت تعيشها، ثم عادت لتجوب القرى كما كانت تفعل في نهاية الخمسينيات وسنوات الستينيات.. بعد أن تبدل كل شيء فلا هي مثلما كانت زمان ولا الزمان والمفاهيم والعادات والتقاليد والاستجابات كما كانت . لا بد أنها كانت تشعر بالفارق الهائل... الفارق الذي صنعته عجلة الزمن وراكمته المتغيرات التي حدثت (فيها) وفي الناس والحياة كلها .. ربما بسبب ذلك لم يكن الحزن يفارق وجهها....كان يتخايل في نبرات صوتها..... في نظراتها التي تمر على الوجوه وتصافح العشش التي صارت تعاني غربة وجود ماحقة...وكأن لسان حالها يترجم قول ابن هتيمل: لا الزمان الزمان فيما عهدناه قديما ولا الديار الديار
*** سبق بنات امريمي إلى هذا الفن بنات الدودحي وبنات العسيلي إلا أن بنات امريمي كن شيئاً آخر ....ظاهرة فنية عجيبة لا يزال يذكرها الناس حتى الآن.... كن بارعات في الرقص حد الإدهاش... كانت الواحدة منهن (خاصة امعيدة) يرمى لها بالباولة أو الهللة على الأرض وكانت ترقص حتى تنعطف على عقبها ثم تلتقط الباولة أو الهللة بعينها.... ولم يكن ذلك الإبداع يشكل لذة فرجة شعبية فحسب، بل كان إبداعاً موحياً يتحلق حوله المبدعون ويخلقون له موازيات مشهدية لا تقل روعة عنه..... الذاكرة الشعبية عينها لا تزال تحفظ للشاعر سود معمى قوله يصور أوضاع جسد (امعيدة) في تلك الرقصة: امْعِيدَهْ مِثَلَ امْسَاعَهْ لَمَّا تْدُورْ وَتَسْتَوِي كَامْهَيِكَلْ عَلَى امْصُدُورْ ونَا وَراء امْعِيدَهْ شَاجْرِي وَهُورْ وكان بوسع امعيدة أن تفقز وهي ترقص لتضع أصبع رجلها الكبير في حزام راكب على حصان، ثم تطوح جسدها في الهواء راقصة بخفة وكأنها تطير..... كما كان بوسعها أن تضع اصبعها السبابة على طرف أنف واحد من جمهورها ثم ترفع جذعها الراقص كله في الهواء لوقت غير قصير، وكان هذا يذهب بالمتفرجين إلى حالات من الجنون لا توصف....بل تعاين وتعاش.. *** (امعيدة) وأخواتها كن يشبهن إلى حد كبير الغوازي (الغجريات) اللائي يظهرن في المسلسلات والأفلام المصرية، فقد كن يستدعين إلى إحياء الأعراس فيغنين للنساء كما يستمتع بمشاهدتهن الرجال خاصة، وهن لم يكن يقصرن إبداعاتهن على الأعراس، بل كن يتجولن في القرى خاصة في مواسم الحصاد، وزيارات الأولياء وغيرها، وكن يتلقين النقوط من المعجبين ومن أغنياء الناس الذين كانت بيوتهم هي المقصد الرئيس لهن. وبخلاف سود معمى الذي كان لا يأتي إلا مدعواً مهما كانت المناسبة فإن بنات امريمي كن يتجولن ويدخلن البيوت دون دعوة أو طلب أحياناً، وفي هذه الحالة فإن إكرامهن كان حقاً واجباً أكلاً وشرباً ومونة ونقوداً وعطوراً وقماشاً.. وكان الناس يرون أنهن كالعسكري النافذ واجب الأمر. *** ومثل زايد (المزمر) الذي كان موضوع حلقتنا الأسبوع الماضي...ارتبط سود معمى الشاعر الشهير ببنات امريمي لدرجة أنهن سمين أحد أبنائهن باسمه، وحين كن يسكن دوغان كان سود يقيم عندهن السواري (جمع سارية/سهرة) من أول الليل حتى أذان الفجر، وذاع حبه وتعلقه بـ(امعيدة) بشكل خاص.. بالذات بعد هجرتهن إلى السعودية.. فلطالما.. اختلط في تغني سود بهن.. إعلان عشقه لهن والبكاء لرحيلهن.. وتصوير خلو الديار والفن منهن: بَاكَنْ جِمَالَ امْرَيْمِي مِنَ اليمنْ دَوْغَانْ صَبَّحْ خَالِي عَدْ بُو امْدِمَنْ وكان يكني عن بنات امريمي بالجِمَال والمطايا والزهور والمشاقر وسائر الطيوب والعطور والأشياء الموحية: كَفَيْتَ امْعُوْدِي فَوقَ امْفِرَاشْ امْذَهبْ مَخْلُوطُ بَيْنَ امْقُمَاشْ عِيدَهْ مِثْلَ امْإِبْرَةْ تَحْيِيِ امْعُشَاشْ وَلاَ لِقِيْتَ امْعيدَهْ مَا فُكْهَاشْ وَاجِمَالَ امْرَيِمِي شِلِّيْ هَوَاشْ لَمَّا تْبُوكِي عَنِّي نَا اغْلَبْ عَلاَشْ رَيْتِشْ فِرَاشِي مَبْيَضْ شَاسْبَحْ عَلاَشْ وَنَا سَرَنْ بِي رُوحِي مَا تْحُطَّنَاشْ *** الطريف أنني أثناء انشغالي في مطلع عام 2005م بجمع مادة كتاب عن الشاعر سود معمى وبنات امريمي وغيرهم من المبدعين الشعبيين... زرت الشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم الحضراني.. فوجدت على طاولة في مجلسه كتاب (أحمد البشر الرومي قراءة في أوراقه الخاصة) وهو شاعر وأديب وباحث كويتي تولى مناصب مختلفة في بلاده.. وكان مكلفاً في مهمة رسمية من قبل حكومة بلاده إلى اليمن في سنة 1963م.. وقد سجل يومياته في تلك الرحلة التي زار فيها صنعاء والحديدة وزبيد وتعز وعدن وذمار ورداع وغيرها من المدن اليمنية، قال الحضراني: لقد عرفته شخصياً وأسلوبه جميل، وقد كتب عن اليمن.. تناولت الكتاب وفتحته فانفتح بالصدفة على صفحة (261) ووقع بصري مباشرة على قوله: (وفي الساعة الثانية والربع أنهينا منطقة الجبال، ودخلنا في سهل تهامة وهو سهل يشبه أراضي الكويت بالضبط غير أنه مزروع إلى مساحات شاسعة بالذرة، وفي الساعة الثانية والنصف وصلنا إلى قرية باجل. باجل قرية في منتهى الحرارة والرطوبة، قرية تقع في سهل تهامة محاطة بعشش مبنية على شكل قبب لاتقاء غزارة الأمطار وبها بعض بيوت من الطين والحجارة وذلك بوسط المدينة ويمر بها الطريق المبلط الآتي من صنعاء والذاهب إلى الحديدة ولا يزيد سكان باجل على ثلاثة آلاف وذلك بضواحيها، وأهلها من الفقر بحيث لا يمكن أن يتصوره إنسان، ولم أرَ في القرى التي زرناها شحاذين إلا في هذه القرية. وأول ما يلفت نظري في هذه القرية أنني سمعت صوت طبل وكان الضارب عليه نساء سود يقال إنهن حبشيات من نسل الأحباش الذين بقوا بعد القضاء على حكم أبرهة في اليمن، وكانت إحداهن تقرع الطبل والأخريات يغنين وإحداهن ترقص على ضربات الطبل وكنّ واقفات حول سيارة قادمة من الحديدة وعندما اتجهت إلى مقهى قريب من سياراتنا جاء أيضاً نسوة أخريات يقمن بنفس العمل وبنفس الإيقاع حول سياراتنا وقد أخذت لهن صورة بالألوان. وقد كتب الرومي تلك السطور بتاريخ 6/8/1963م فشعرت وبقوة أن أولئك الضاربات على الطبول اللائي وصفهن لسن إلا بنات امريمي.. وقد علمت أن ابنة الكاتب تحتفظ بإرشيف كامل لرحلات أبيها والصور التي وثقت تلك الرحلات. | |
|
عبد القادر الشرقي
المستشار الإداري
رقم العضويه : 2 عدد المساهمات : 358 نقاط : 54329 تاريخ التسجيل : 20/02/2010 بلد الإقامه : جنسيتي : جنسي : مزاجي : هوايتي : مهنتي : العمر : 41 حكمة : إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر MMS :
| موضوع: رد: عندما عادت المغنية... ولم تجد الزمن الإثنين أبريل 19, 2010 9:16 am | |
| مشكور ابراهيم على نقل القصة تحياتي | |
|